فلربما دار الزمان

دخلتُ أحد “الصالونات” النسائية والذي يُعد من أكبر مراكز التجميل بالبلد، أخبرتُ المشرفة هناك عن الخدمات التي أُريدها، أرشدتني إلى الغرفة المعنية وتوجهتُ إليها، وصلت إلى الغرفة وأخذت مقعدي أنتظر العاملة في الصالون لتأتي، في تلك الأثناء لفتت انتباهي زبونة تجلس كالطاووس، ووجهها متمعر كأنه وجه فرعون، رافعة حاجبيها بطريقة غريبة وكأنها تصيح بالناس “مَنْ مِثلي!؟”، والعاملة “الفلبينية” تحاول طوال فترة خدمتها أن تتسول منها ابتسامة ولكن: ” لا حياة لمن تنادي” ؛ بعضُ التواضع يا أُخية، ابتسامة رقيقة فقط! لمَ تبخلين بها؟ فلربما دار الزمان وتبدلت الأدوار.

صديقتي تعامل خادمتها في المنزل بمنتهى الاستهزاء والاستخفاف، وكأنها جاريتها التي اشترتها من سوق النخاسين بالمدينة، فتأمرها بطريقة قبيحة، وتجعل من ملابسها أكبر فكاهة بل وباب عظيم للضحك هي ومن حولها من أفراد العائلة. أختلفتُ معها كثيراً لتُغير في طريقة معاملتها لها ولكنها تجيب دائما ب: “الخدم ماينفع معاهم إلا كذا”! ؛ معاملة حسنة يا أُخية فلربما دار الزمان وصرتِ الخادمة وصارت هي المخدومة!

أحدهم يدخل “البقالة”، فيبدء يتفلسف على الآسيوي الفقير، ويحاول استعراض عضلاته التي لا يستطيع استعراضها في العمل أو في البيت أو حتى بين صحبه، فيتهمه بالغباء لأنه لم يفهم طلبه، ويهدده بتسفيره وهو غير قادر أصلا على ذلك، ويبدء يدخل مداخل الفلسفة والسفسطة، ويستخدم أحباله الصوتيه جميعها دون اقتصاد! ، بعضُ الخُلُق النبيل يا رجل مع هذهِ الطبقة العاملة ، فلربما دار الزمان، وصار هو محلك وأصبحت أنتَ مكانه.

“أكرم حمد” الرئيس التنفيذي لإحدى شركات وساطة التأمين بالدوحة، يُبهرني بمعاملته الراقية مع جميع من حوله، بالأخص مع رجال الأمن ورجل النظافة والطبقة العاملة البسيطة، يُشعرني أنهُ لهم صديق بل وأكثر من ذلك، لم يَحُل بينهُ وبين المعاملة الحسنة أي حائل، فيُنادي رجل الأمن ب”البطل” ويحادثهُ تماماً كما لو يُحادث صديقه القريب! يعامله الجميع معامله خاصة وأراني أجزم أن هذه المعاملة جاءت من منطلق دماثة خلقهِ وطيبِ معشره؛ لا تخف يا “أكرم” حتى وإن دارَ الزمان، فمثلك لا يخف فقد سطرتَ في تاريخ حياتك سطور نيّرة لن تخذلك في قادمِ أيامك.

خالتي “فائزة” أكرمت خادمتها “حليمة” إكرام عجيب طيلة أيام خدمتها لها، حتى أكتشفت مؤخرا أنها مصابة “بسرطان الثدي”، تكفلت هي بعلاجها الباهظ، وتبدلت الأدوار بينهما فأضحت خالتي الخادمة وحليمة المخدومة،

وحين بلغت “حليمة” المرحلة الحرجة وقاربت على الوداع جهزت لها خالتي حقيبتها لتودع أهلها، وحين توفت هناك، في أثيوبيا حيثُ بلدها، أعلنت خالتي العزاء وفتحت منزلها لتستقبل المعزيين، بارك الله ل”فائزة” وجعلها فائزة في الدارين، ولعلي على يقين أن فائزة تعلم أن الزمان وإن دار لن يجور عليها فعندها من الرصيد الوضّاء مايكفي. 

حين تكون في موقف قوة، وتكون اليد العليا، وتكون قد عجبتَ بنفسك وعجبتَ بمالكَ وجمالكَ ومنصبكَ، وتخطيتَ العُجب بالنفس حتى وصلت إلى سوء الخلق والمعاملة فاقرأ على نفسك السلام فقد احترقت روحك قبل أن تُفارق جسدك. فما مالك إلا مال الله منحكَ اللهُ إياه لتعمل به خيرا وما جمالك إلا من خلق الله خلقكَ فسواكَ فأحسن خَلْقَك، فلا تعجب بما ليسَ لك وبما لم تخلق أوتصنع. قال بزدجمهر:” النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها: التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه :العجب”.

اللهم قربنا من حسن الخلق واجعلنا بهِ نعيش وعليهِ نموت وباعد بيننا وبين العجب بالنفس كما باعدت بين المشرق والمغرب. آمين.

مقالات ذات صلة

قصيدة : أَمَلْ

أَليسَ المَمَاتُ مَمَاتَ الأمَلْ                            وقتلُ النفوسِ قُبيلَ الأجلْ أليسَ الأنينُ أنينَ الفراق                           فبئسَ الفراقُ إذا ما استَحَلْ وبئسَ الذي خانَ عَهْدَ الوِصالْ                           …

ملل

أدخلُ المنزل لأُلقي التحية ، فأسمعُ من أخي الأصغر “إبراهيم” الكلمة المعتادة “ملل”، ليُدهشني دهشة تتشقلب منها قسماتي، أحضنه بعض الوقت ثم أعدد لهُ كل…

عزيزي الرجل

تدخلُ علينا “أم فلان” المجلس وتأخذ مكانها بالقرب من الصديقة الأقرب لتستطيع الدردشة الجانبية، والفضفضة الخاصة، بعد السلام على الموجودات، وبعد تعليقات من هنا وهناك، تبدأ اختنا…

مقال: مُفيد!

ارتبط مقهى كوستا في حياتي بالجد وعمل المفيد، فعندما كنتُ ادرس البكالوريس اضحيتُ أُلاكم المقررات الصعبة في هذا المقهى دراسةً وتلخيصاً ، خصوصاً في آخر سنة دراسية ،…

للرجال فقط

تُحدثني صديقتي المتزوجة فتُخبرني أنها وبينما هيَ في عملها صباحاً، شعرت بوعكة صحية قوية، فقررت الرجوع إلى المنزل، حينَ دخلت المنزل كانت تبحث عن زوجها…

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اختر العملة
تواصل معنا . .
كيف يمكنني أن أساعدك؟
مرحبا
كيف يمكنني أن أساعدك؟