“يا سلام”
سمعتُ قصة “محمد بن أبي عامر” الشهيرة منذ سنوات عديدة وشاهدتُ قصتهُ في المسلسل التاريخي الشهير:”ربيع قرطبة”، إذ تتلخص قصتهُ أنهُ كان فقير معدم، وكان يحلم أن يكون خليفة المؤمنين، وكان قد أخبر أصحابة ماذا تتمنون لو أصبحتُ الخليفة؟ فأما الأول فقال:توليني القضاء، وقال الآخر: توليني حسبة السوق، أما الثالث فقال مستهزئاً: إذا تحقق ماتريد فأمر بأن يطاف بي قرطبة كُلها على حمار وأنا مطلي بالعسل،ليجتمع علي الذباب والنحل. فلما بلغ “محمد بن أبي عامر” الهدف منح كل واحد منهم أمنيته،على نحو ماطلب.
“محمد بن أبي عامر” بلغَ الهدف باجتهاده وهمته وطموحه وذكائه وأصبح الحاجب المنصور، وحل محل خليفة المؤمنين، وأثبت معادلة الوصول: إن تواجدت الهمم وغلت العزائم فلا يحول بينك وبين الهدف أمر.
“محمد صفر” زميل لي في عملي السابق، يذكرني أخي “محمد صفر” ب”محمد بن أبي عامر”، فهو كبير الهمة ، قوي البأس، كثيرُ العمل، وكان يحلم أن يصل إلى منصب كبير في سن صغير وهذا ماحصل، تدرجَ السلم الوظيفي من أدناه حتى بلغَ منصب “مدير” وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين عاماً في أحد أشهر البنوك الإسلامية، ولا عجب فحين تتواجد الهمم تموتُ المستحيلات.
عمتي “بدرية” هي أكبرُ عماتي سناً ولكنها ذاتَ همة كبيرة، وعمل دؤوب، لم يُثنها عن تحصيل العمل حاجز، ولا عن الوصول لشهادة الماجستير عمر معين، بل هي مصدر تحفيز وإلهام للقاصي والداني. كلمتني جدتي منذ فترة اذ ألتقت بها صباحا لتوصيَتها ببعض المهام واستغربت همتها العالية فتقول:” ياريت الكل عنده مثل همتها “، فأجبت :” ياريت”. فلا يحولُ بين الإنجاز أعمار، ولا أعذار ،إن وُجدت الهمم.
“فيصل الذيب” أحد المستثمرين العمانيين الذين كنتُ أتعامل معهم في عملي السابق، صغيرُ السن، أصبح مليونيرا من الصفر وهو لم يتجاوز الثلاثين عاما، وعندما ذكرَ لي قصتهُ صُعقت لفترة لكن العجب تبعثر بسرعة شديدة، فالهمم تصنع المعجزات يا رحاب فلمَ العجب؟
إذ إن قصتهُ باختصار أنهُ عندما كان طالباً جامعيا كان يملك سيارة قديمة جدا ، فكان يوصلُ بتلك السيارة أصحابة الذين لايملكون أي وسيلة مواصلات للوصول للجامعة، وكان يأخذ مبلغاً شهرياً من كل طالب، فأشتهر بالجامعة وأخذ الكثير يطلبون منه ” التوصيلة” للجامعة، فجمع مبلغاً من المال وباع السيارة القديمة، واشترى باصاً مستخدماً ليستطيع نقل مجموعة أكبر، وجمع مالا أكثر واشترى باصاً آخر ووكلَ أحدُ زملائة بسياقته بحيث يمنحهُ مرتب شهري، وجمع مالاً أكثر وهكذا حتى اشترى باصاً ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً!!
حينَ بلغَ عدد الباصات الستة ، قاربَ هو على التخرج ، وتخرجَ بنجاح بل وبتميز، باعَ تلك الباصات الستة وماجمع من خلال تلك السنوات من المال واشترى قطعة أرض، باعها واشترى غيرها وهكذا.. حتى باتَ اليوم مليونيرا بل ومن كبار المستثمرين العمانيين. بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل تلك الهمه العالية المتدفقه .
منذ يومين كنتُ أحثُ أخي الأصغر “ابراهيم” على القراءة والكتابة بشكل أكبر، فأجاب : ” آنا صغير ليحين على هالسوالف”، أجبتهُ: “ليس هناك عمر للانجاز، إن توافرت الهمة، فطأطأ الرأس غير متقبل .. حتى ذكرتُ لهُ بيت المتنبي : “واذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام”.. قَبَلَ بروحٍ عالية بعد مناقشة طالت عن معنى البيت، ووضعَ نصب عينيه أن يكون الأول على المرحلة الإعدادية في العام القادم.
هزتني قصة “أبي مسلم الخرساني” الرجل الذي أسقط دولة بني أمية وأقام دولة بني العباس، صاحب الفتوحات والانتصارات العظيمة،اذا جاء في التاريخ أن أمهُ كانت تراه وهو صغير يتقلب على الفراش
كالملسوع،فتهب إليه مستفسرة، فيقول لها: همة يا أماه تنطح الجبال! “يا ســلام” على همم كتلك.
قصصُ الهمم كثيرة، قديمة كانت تلكَ القصص أم “طازجة” من حاضرِ عصرنا، العبرة ليست في زمن القصة وبطل القصة وتسلسل أحداثها، أنما العبرة في من أعتبر بهذه القصة، فتكون تلك القصص المحفزة كالنار الحامية لتغلوا بها الهمم، ولكنهُ حتماً الغليان المستمر.
اللهم إنا نسألكَ همماً عظيمة لا تخمدُ أبدا..
رحاب شريف
19 يوليو 2012
التعليقات