لستُ عبداً
خالتي الحبيبة ” شيماء” بعد تخرجها من الجامعة حصلت على وظيفة في إحدى الوزارات بالدولة وعملت جاهدة بكل أخلاص وتفان، كنت أراها تَعملُ حتى بعد أوقات العمل وفي أوقات الإجازة الرسمية وعطل نهاية الأسبوع، عَمِلَتْ في هذهِ الوزارة لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام ، وفي وقت كان من المفترض أن تحصل فيه على ترقية تم نقلها الى قسم لا تريده ولا يتمناه احد، فقررت وبعنف تقديم الاستقالة، رغم كل الالتزامات المادية التي ” تزنطها” والقروض التي تلاحقها، إلا انها قررت ولم يُثنها عن القرار أحد. الجميع كان يرى ان قرارها قرار خاطىء وإنها لم تَأخذ بالحسبان أولويات الحياة. إلا أنَ القهرَ الذي بينَ جنبيها جعلها مُصرة بإقدام دون إحجامٍ أبداً.
بَدءتْ عملها الخاص – ولَعَلّ الحاجة هي أم الاختراع – في ما تُحب نَفسها وتَرغب، فقد كانت تُحِب ” المكياج ” حباً جماً ، وتتذوقهُ بفن راقٍ وتستمتع به أيّما استمتاع ، الخُلاصة إنها الآن من أشهر خبيرات التجميل بالخليج العربي، فقد حَولت راتبها الزهيد إلى مدخول يفوق دخلها الشهري بعشرين ضعف أو يزيد، وحولت القهر المكبوت الى إنجاز عظيم، فهي تعمل ما تحب وهي رب العمل والأجمل من كل ذلك إنها أثبتت نفسها في المحنة ولم تحتج الى أحد بل تَوكلت على الله وعملت على قَلْب القهر إلى عزيمة مُتَقِدَة، وهِمّة لا مُنْتَهِية، فارتَقَت بذلك.
قصة “شيماء” تُذكرني بقصة عَرفها الجميع، قصة والت دزني الذي أُقيل من عمله بالصحيفة دونَ سابق إنذار بتهمة أنهُ يفتقر للإبداع حتى خلدهُ الدهر بالإبداع كله، فَسبحان من يقلب الرزايا إلى مزايا والمِحَن إلى مِنَح عظيمة،رحبة ومُتَرامِية.
مُنذ فترةٍ طويلة قرأتُ كتاباً باللغة الإنجليزية إسمهُ ” الأب الفقير والأب الغني” للكاتب روبرت كايوساكي الأمريكي المنحدر من أصل ياباني، المليونير بعد إفلاس وفقر ، كان كتابهُ طويلاً، ولكن العبارات التي أثرت فيني قليلة وقصيرة جداً، دعوني اكتبها لكم، العبارة الأولى تقول : إن العبد يبقى عبداً وإن كان ذو أجر كبير، الثانية: أن الموظف يعملُ جاهداً ليتسلق السلم الوظيفي حتى آخره، فَلِمَ لا تَمْتَلِك السُلم كله؟ ، العبارة الأخيرة: إن الموظف يعمل بكل قوته حتى لا يصرفه رب العمل بينما رب العمل يدفع أقل مايمكنه حتى لا يتركهُ الموظف. عبارات كانت مُوجعة ولكنهُ لا سيما الوَجع الجميل الذي سيدفعُ للتغيير حتماً.
الخميس المنصرم، احسستُ بقيمة كل عبارة من عبارات روبرت كايوساكي إذ حدثَ مايُشعرني بقيمة العمل الحر، بقيمة أن تكون رب العمل ، وصاحب المؤسسة ، وحر نفسك، وإن كنت يا صاح ذا أجر كبير فأنت عبد في نهاية المَطاف. إذ زَرعَ أجدادنا فينا دون وعي بأن الوظيفة الآمنة هي الحل لمفاجآت الزمان، إلا أن الواقع إنك يجب أن تتعلم مِنْ الوظيفة لتستقل يوماً ، الوظيفة لَيست الحل الدائم، قد تكون حل قصير الأجل لأزمة مزمنة طويلة الامد.
يُحَدثُني أَحد أقربائي مُمتَعِضاً بأنه يكرهُ أن يكون مُلتزماً بدوامٍ مُعَين، وهو صَاحِبُ إبداع وشخصية قوية ودقة متناهية، فَقُلت: شَخْصٌ مثلك لن يخسر إن بدءَ عملهُ الحر، وإن خَسرَ مَرة ومَرتين وثلاث فإن النجاح سَيكونُ حَليفهُ في نهاية المَطاف. لَعَلّ هذه الكلمات أوجهها لنفسي قبلَ أن أوجهها لغيري، ولعل الجميع يَحترق من هذه الحقيقة المُرّة، ولَعَلّ قاطبة الناس كذلك تتمنى أن تتحَرَر مِنْ قيود الوظيفة، ولكن قلة قليلة التي تجد بين جنبيها الشجاعة لاتخاذ القرار، والأهم اتخاذهُ في الوقت الصحيح وبالطريقة المناسبة لمشروع مدروس والأهم مِنْ كُلِ ماسَلَف الثقة بالنجاح بعدَ التوكل على الله.
اللهم ارزقنا الهِمَة فإنا عَليكَ مُتَوَكِلُون.. اللهم آمين
التعليقات