لستُ أدري!
بين حينٍ وحين، تُجبرنا الأشواق الدفينة أن نلتقي بالأحبة رغم المشاغل، فنلتقي بالفتيات اللاتي أصبحوا اليوم “حريم”.. “كبرنا”.. نجلس في بقعة معينة حيث تتكفل إحداهن بالانتقاء المكاني ووصفه، والتحديد الزماني لنلتقي، وتبدأ دائرة الحديث..
بعد السلام وكلمات الأشواق الفَتاتِية “وحشتوني بنااات” و”اشتقنا يختي ” ونحو ذلك.. تبدأ كل فتاة بإلقاء ما في جعبتها على الطاولة المستديرة. فتبدأ الأولى بوصف أحد الأعراس التي كانت فيه العروس “شيفه” والمعرس “توم كروز”، وهي متحسرة ومعتصرة رغم أنها متزوجة من رجل وسيم، فالتحسر على ماذا؟ لستُ أدري!
وتبدأ الفتاة الأُخرى بالحديث عن ماركة جديدة فتصفها بعمق وطول وعرض، بل وبحبٍ وشغفٍ وولع، وكم أنها شعرت بأناقة ورقّة عندما اقتنتها،أشعرتني حينها أنهُ لو كانت هذه الماركة رجلا لتزوجته. رغم جمالها وأناقتها دون الخوض في بحار الماركات الغريبة. فلماذا البطرُ المجنون؟ لستُ أدري؟
تقطعها الأُخرى لتتكلم عن الحمية المُتعبة “الرجيم” فتبين معاناتها وكيف ابتدت وكيف انتهت وكيف تنفست وكيف كادت أن تتوفى، مع ذلك كُله فهي صامدة تنتقل من حمية لأخرى ومن نادٍ رياضي لأخر رغم تناسق جسمها الشديد، فلماذا العناء والقرب من الوفاة؟ لستُ أدري!
وهكذا تجري رياحُ الأحاديث الفَتاتِية، بما لا تشتهي السفنُ المنطقية وبما لا ينمُ عن عقلها وثقافتها، لتخالف القول في تلك اللحظة فقط: “كل إناء بما فيه ينضحُ”. فاللقاءات الفتاتية أحيانا تجرنا لتيارات هوائية لا تُعين السفن على المضي، بل تزيدها عرقلة وتجبرها أن تحيد عن المسار والوجهة المقصودة.
تُخبرني إحدى الزميلات أن أحد الشباب أرادَ أن يتقدم لإحدى الفتيات، ووضع من شروطه أن لا تكون هذه الفتاة من “طخة الماركات المجنونة”. لم يكن هذا الشاب فقيرا أو بخيلا ليشترط مثل تلك الشروط، بل كان حكيما ثقيل الرأس بعقله، وتقيا رحب الصدر بورعه. لن يمنعها من شراء الماركات، بل يُحزنهُ أن يكون هذا الأمر هوسَ زوجته ومحورَ فكرها وغايةَ أهدافها وأقصى أمنياتها، بل هو يتمنى أن تكون نصفهُ الآخر من المدركين للآية القرآنية “ثم لتُسألُنَّ يومئذ عن النعيم”.
المُضحك في الأمر أن والدته اختارت له فتاة أرضها وسماؤها وهواؤها الماركات، وعندما هَمّوا بالسؤال عنها وعن أصلها وأخلاقها وتفاصيل أخرى، جعلها الناسُ كما يريد تماما بل أفضل مما يتمنى؟ لماذا؟ لستُ أدري؟
تزوجها بعد دندنةٍ وطقطقةٍ وبهرجةٍ طويلة، ليطلّقها بعد شهرين من انتهاء عسلهما الذي كان أساسا أقربَ للبصل منه للعسل. لأنها تزوجت وليس لديها أي استعداد لتغيير نفسها، وهو تزوج إنسانة توقعها شرقا فإذا بها غربٌ.
ويسألون لماذا نسب الطلاق في تزايد؟ لا تسألوني. فلستُ ادري!
“نرجع لمحور حديثنا”، لعلي بهذه السطور لا أُعيب شراء الماركات، ولكني أنتقد الإدمان الشديد، بل ويؤسفني أن يتحول الموضوع إلى محور موضوعي، وأهداف حياتية وغايات يتم تحقيقها بطرق مضحكة وديون لا داعي لها.
وفي قراءاتي الأخيرة لم أستغرب من حياة أثرياء العالم البسيطة، فهم لا يبحثون عن الكماليات، لا يبلسون الماركات، ولا يعيشون في بيوت فاخرة، وليس لديهم طيارة خاصة.. وهم يملكون المليارات ويتصدقون بأطنان من الأموال. هم لا يحاولون إثبات أن لديهم المال بذلك المظهر أو بتلك الهيئة. بل وهم موقنون أن ذلك لن يزيد من مكانتهم ولن يضيف إلى إنتاجاتهم.. بل وأكثر من ذلك، فإنهم يعرفون تماما عقلية أصحاب الماركات ومصمميها، الذين يُعتبر هدفهم الأول والثاني والأخير جلب المال.
وأنا أكتب هذه السطور تراودني ماركة معينة – لن أذكرها- أتمنى اقتنائها ولكني لن أفعل. لماذا؟ لستُ أدري؟ عفوا بل أدري،لأني أعلم أنها لا تستحق قيمتها رغم جمال رونقها، فقررت أن اشتري ما يشابهها بسعرها الملائم، وأمنح الباقي لبعض المحتاجين. اللهم تقبل.
رحاب شريف
7 فبراير2012
التعليقات