“ريموتك” أينَ؟
تَدخلُ علينا ونَحنُ مُجتمعين وهي تُناضلُ مِنْ أَجلِ مُداراة دَمعاتها، مُطأطأةَ الرأس ، مُنحيةَ الكتفين ،وكأنَّ نِهاية العالم تلوحُ أمامَ عينيها ، وهي التي تَزَلْزلُ الأرضَ بالضحكاتِ والبَسمات، هي تِلكَ التي لديها مِنْ خِفة الدم ما تَجعلكَ لا تَمِلُ حَديثها لو استمرت بالحديثِ أيام وأيام. ولكنها! جَعَلَت سعادتها “ريموت كنترول” عند خطيبها. فَتحيا حَياةً وردية عِندما يكونُ راضياً ، وتَموتُ وهي عَلى قيدِ الحياة، وتُعكرُ صَفوَ مَنْ حولها جميعاً عندما يَكُونُ غاضباً.
أعرفُ إحدى الفتيات الرائعات، حافظة لكتاب الله عَزّ وجَلّ ، إيمانها عميق ، وطريقها مستقيم، تُحبُ إحدى صديقاتها بكمٍ كبير، وحجمٍ عظيم، مُرتَبطة بها ارتباط وثيق ، فنراها بابتسامة عريضة، تُرفرفُ من السعادة عندما تكونُ صديقتها التي تُحِب معها وعلى تواصلٍ ولقاء، وتَنقطعُ عن الدنيا وتُصاب بالأمراض التوهمية ، وتبدء رِيادتها للعيادات دُونَ مُسببات عضوية حقيقية ، فقط لأنَ تلكَ الصديقة جَفَتها ولَيست على مِنوالِ التواصل الذي تُريد. لاعَجَب، فَقَد سَلَّمَت “ريموت” سعادتها لتلكَ الصديقة وإن كانت تلكَ الصديقة على مستوى عالٍ مِنْ الخُلُقِ والدين ، والذمةِ والضمير..
أتذكرُ أحد الزملاء يعشقُ زوجتهِ بشدة ، فيكونُ صحيحاً مُعافى حينَ تكونُ زوجتهُ في مزاجٍ “رايق” ، ويكونُ سقيماً تعيساً وهي في مزاجٍ “معتفس”، فَكُنا نراهُ جميعاً في قمةِ الحال حيناً وفي قاعٍ من الحال حيناً آخر ، لا استقرار ولا هناء. فَبتْنا جميعاً نَعْرفُ متى تكونُ العلاقة في أَوَجَّها ومتى تكونُ في جحيمها.. كل ذلكَ لأنهُ سَلّمَ “ريموت” سعادته لزوجته.. فيكون في السماءِ طائراً حينما تكونُ راضية ويكونُ في المقابر زائراً حينما تَكُون ساخطة.. فأيُ جحيمٍ .. وأيُ حياة؟
نُؤمنُ جميعاً أنَّ حياتَنا دمعة وابتسامة ، فلا حياةَ تَخْلُو مِنْ العبرات ، ولَيْست هناكَ حياة فيها السعادة مُجتمعة وكاملة ، ولن تكون هذه الحياة إلا في دارِ الخُلد، ودار الجنان. فَمِنْ الطبيعي أن تَتَأثر نفسية صديقتي المخطوبة إن مَرّتْ بِمشاكل مع خطيبها، تَتَألم وتبكي، ومِنْ الطبيعي أن تَتَألمُ تلكَ الفتاة الحافظة لِكتاب الله إن لم تَجِد التواصل الذي تُرِيد مِنْ أَعَزّ صَديقاتها، ومِنْ الطبيعي كذلك أن يَكُون زميلنا المُحِب لزوجتهِ في مزاجٍ سيء عندما لا يكون معها على وفاق ، ولكن الغير طبيعي أن يكون الارتباط ارتباطاً مرضياً* ، حتى إذا سَخَطَ الطرف الآخر حيناً هَلَكْتْ وإذا رضا مَلَكْتَ الدُنيا بِحذافِيرها.. فأيُ حياة لإنسان مَنَحَ “ريموت” سعادتهِ لإنسانٍ آخر بِمُنتهى الرضا ومُنتهى السعادة. فَيَشْتَكِي بَعدها الحالَ والأحوال، ولا علاج .. “فالريموت” بيد الطرف الآخر، يَستطيعُ أن يرفعهُ للسماء تارة ويجعلهُ مُرتطماً بالأرضِ تارةً أُخرى!
لَعلي بهذهِ الكَلمات لا أُعارض الحبَ والعطاء ، ولا أُعارضُ الزيادة في جرعة الحُب وكثرة الأشواق ، بل أنا مِنْ المُؤيدين للحُبِ المُطلق اللامشروط ، ذلكَ الحُب الذي يَجعلنا سُعَداء في كُلِ حين ، في الرضا وفي السخط ، في الوَصْلِ وفي الهَجْر ، فِي العطاء وفي المَنْع.. ولكني من المُعارضين لأُناس مَنَحُوا “ريموتهم ” بيدِ الآخرين فَتَكونُ سَعادَتَهُم رَهِينَة بَينَ يديهم، وأكونُ بِذلكَ تَحتَ رَحمةِ شَخْصٍ مُعين أونَجاح تِجارة مُعينة ، أو فَوْز نادي رياضي مُعين أو أو أو…
مُنْذُ فترة لَيست بِبَعيدة كُنتُ استمعُ لبعضِ القوانين الكَونية ، والتي كانَ أحدُها يُدعى “قانون الارتباط” ، قانون غاية في الروعة يُلَخْصُ الحديث الطويل في عبارة قصيرة،يَنصُ القانون أنْ لا يَرتبط الإنسان ارتباطا مرضياً إلا بالله عز وجل وتعريف *الإرتباط المَرَضي : هو الإرتباط والتَعَلُقُ الزائد عَنْ المُعَدَلّ الطبيعي .
لقد عشتُ زمناً قصيراً – لا رَدهُ الله – ارتبطتُ ارتباطاً مرضياً بأشياء عدة، درجاتي في مقررات معينة، حتى إذا حَصَلت على الدرجة التي لا أتمنى أبكي بُكاءَ الأرامل ، وتَنْهارُ أحلامي، وتَتَكالبُ علي المَواجع كُلها ،ارتبطتُ بمدرسةِ اللغة العربية عندما كنتُ بالمرحلة الثانوية ، فأحْبَبْتُها حباً كبيراً وتَعَلّقْتُ بها تعلقاً شديداً، وهَيَ التي تَسْتَحقُ الحُب ، ولكن الارتباط كانَ مرضياً ، حتى إذا انشَغَلَتْ في وقتٍ مُعين ولم تُجيب على مُكالمتي ، يَتَحَطَم فُؤادي ، وأُصابُ بالأمراض كُلها ، وأُلازم الفراش وكأنني مُصابة بمرضٍ عضال ، أو عند مخاصمة أو مفارقة أحد الأحباء تتحول ابتسامتي إلى تعاسة أبدية وأكونُ قد دخلتُ زنزانةَ القُنوط السَرمَدِيّة، تَطولُ القائمة وتَطُول ، حتى عَلِمْتُ كَيفَ تَكُونُ سعادتي بَيْنَ يَدَيّ، وكَيْفَ يَكُونُ “ريموت” سَعادتي فِي جَيبي ،مُصاناً مِنْ الجميع ، حتى تعلمتُ أصول الحب المُطْلَق في مدارسِ الأنقياء ، فلا أنهارُ لِمخاصمة صَديق ، ولا أُبغضهُ ولا يُموتُ الحبُ في قلبي ، بل يَبقى الحبُ في كُلِ وقت ودونَ شرط ، قد أحزنُ نَعَم ، وأَبْكِي نَعَم ، لَكِنِي لا أَدْخلُ صومعةَ اليأس، ولا أرى نهايةَ الكونِ تَتَأرجَحُ نَحوي ، حَتى جَعَلتُ عبارة القرني ” بقدر إيمانك حرارةً أو برودة تكونُ راحَتُكَ وسَعادَتُكَ وطَمأنِينَتُك “مِحوراً حياتياً.
اليوم – والفَضلُ كُلُهُ لله – أعيشُ السعادة كُلها ، سعيدة في كُلِ حِين، وفِي كُلِ وقت ، سَعِيدة في أفراحي وأتراحي ، سَعِيدة بِبَسماتي ودَمَعاتِي ، سعيدة ولا أَقْبَلُ إلا أَنْ أكونَ كذلك.
اللهم زدني بكَ تعلقا ،وأجعل فؤداي منزلاً رحيباً لجميع خَلْقك، من أحبني منهم ومن بغضني… اللهم آمين.
التعليقات